سلسلة التمويل عن طريق الاعتماد المستندي
( الجزء الاول )
إن عمليات التمويل والدفع في ظل
التجارة الخارجية تتطلب وسائل دفع أكثر ضمان وثقة بالنسبة للمصدر والمستورد وإزالة
شكوك كل منهما يمكن أن يتحقق من خلال الاعتماد المستندي.
فالاعتماد المستندي يمثل
أحسن وأضمن وسائل الدفع الحديثة حيث تستعمل هذه التقنية عن طريق فتح اعتمادات
مستندية لدى البنك وذلك لتعذر سداد قيمة البضاعة نقداً حتى ولو كان السداد ممكناً
بالنسبة للمستورد فهذا لا يمنع أنه يخشى أن لا يوفي المصدر بالتزاماته وهذا ما
يجعله يلجأ إليهما لتجنب المخاطر الناجمة عن عدم الالتزام بالاتفاق.
ملامح عامة حول الاعتماد المستندي.
يعد الاعتماد المستندي من
وسائل الدفع الأكثر استعمالاً في التجارة الخارجية لتميزه بالسرعة والأمان وتوفير السيولة
النقدية وكونه يتم بضمان من البنك حيث عرف الاعتماد تطوراً وتنوعاً هذا ما جعل
لكل من المصدر والمستورد الخيار قبل الاتفاق على النوع والكيفية التي تتم بها
التسوية التجارية والتي تسمح بتنسيق وقت الدفع مع التسليم لهذا سنحاول التطرق إلى أربعة مطالب حيث نتعرض في المطلب الأول إلى مفاهيم حول الاعتماد
المستندي ونتطرق في المطلب الثاني إلى أنواع الاعتمادات المستندية ونتناول في
المطلب الثالث منافع الاعتماد المستندي ومخاطره أما المطلب الرابع والأخير سنعرض
فيه الاحتياطات الواجب إتخاذها.
لتوضيح نشأة الاعتماد المستندي يستحسن ذكر
الطرق التي يمكن للمستورد المحلي أن يسدد بها ما يستورده من البلد الأجنبي.
1- يمكن للمستورد أن يرسل تحويلات للمصدر بقيمة البضاعة عند طلبها وفي هذه
الحالة نجد أن المستورد قد جمد جزءاً من رأسماله في الفترة بين إرسال قيمة البضاعة
واستلامها وبيعها، وأحياناً تنقضي فترة طويلة قبل الشحن من الخارج وخوصاً إذا
كانت من البضائع التي تصنع خصيصاً للتصدير بينما نجد المصدر قد استفاد من ثمن
البضاعة بعد وصول طلب المستورد وفي هذه الحالة نجد أن المصدر يمكن أن يتعلل بشتى
الأعذار ليتملص من العقد ويرد التحويل الذي وصل إليه من المستورد بعد أن يكون قد
استفاد من استعمال تلك الأموال لفترة من الزمن وبعد أن حرم المستورد من استعمالها ومن ربح البيع
بسعر أعلى مما اشترى به.
وقد يجد المستورد البضاعة من
صنف أردأ من الصنف المتعاقد ولما كان قد دفع ثمنها مقدماً فليس أمامه من سبيل إلا
مقاضاة المصدر في بلده لإخلاله بعقد البيع مما يترتب عليه تكاليف باهضة كما أن عدم
معرفة العرف التجاري والقوانين السارية في البلد الأجنبي قد يجعلان كسب القضية
أمراً مشكوكاً فيه.
2- يمكن للمصدر أن يشحن البضاعة إلى بلد المستورد ويطلب منه تحويل قيمتعا
عند وصولها وفي هذه الحالة نجد أن المصدر قد جمد جزءاً من رأسماله من وقت شحن
البضاعة إلى حين استلام ثمنها كما أن نزول الأسعار قد يكون دافعاً للمستورد إلى
رفض استلام البضاعة ونجد التاجر الأجنبي نفسه حائزاً لبضاعة في بلد أجنبي وليس
أمامه إلا بيع البضاعة بأي ثمن وبأسرع ما يمكن تفادياً لدفع تكاليف التخزين
والتأمين أو إعادة شحنها لبلده وتحمل نفقات إعادة شحنها فضلاً التي تكبدها أو
الأمر لتصدير البضاعة لبلد المستورد ومن الحائز أن يسبب نزول الأسعار خسارة كبيرة
في المركز المالي للمستورد المحلي وقدرته على الوفاء بالتزاماته.
3- يمكن للمصدر أن يسحب على المستورد المحلي كمبيالة تستحق بالإطلاع أو بعد
أجل ويرفق بها مستندات الشحن وفي هذه الحالة لا يستلم المستورد مستندات الشحن إلا
بعد دفع الكمبيالة أو قبولها أما إذا رفض المستورد المحلي الدفع أو القبول فإن
المصدر الأجنبي يجد نفسه حائزاً لبضاعة في بلد أجنبي وعليه التصرف كما تم شرحه سابقاً- وإذا كانت
الكمبيالة تستحق بعد أجل فإنه بالرغم من قبولها قد يتغير مركز المستورد المحلي
ويصبح في حالة مالية لا تمكنه من دفع قيمتها كما يمكن خصم الكمبيالات المسحوبة من
ذوي المركز المالي المتين والسمعة الطيبة وبذلك نقل الفترة ما بين شحن البضاعة
واسترداد ثمنها.
وفي بعض الحالات يمكن للمصدر الأجنبي أن يحصل على سلفة من بنكه بمجرد شحن البضاعة بضمان مستندات الشحن وبذلك لا يجمد جزءاً من رأسماله لفترة طويلة، كما يحدث عندما ينتظر سداد قيمة الكمبيالة بعد وصول البضاعة إلى بلد المستورد.
وتتضح مما تقدم أن العامل
الأهم الذي يجب أن يحتاط له المستورد المحلي والمصدر الأجنبي هو قدرة الطرف الآخر
على الوفاء بالتزاماته فلو استبدلنا الطرفين بمؤسسات لها سمعة ممتازة ومكانة
عالية..وهذا ما يحدث فعلاً في حالة الاعتمادات المستندية.
الفرع الثاني: تعريف الاعتماد المستندي.
الاعتماد المستندي هو ترتيب مصرفي بين بنكين أو أكثر في شكل تعهد مكتوب تعمل فيه البنوك مصدرة الاعتمادات المستندية بناءاً على تعليمات عملائها، وتلتزم بموجبه البنوك القابلة له والمتداخلة فيه بالدفع إلى المستفيدين من هذه الاعتمادات مقابل مستندات شحن أو مستندات تنفيذ أو أداء خدمة منصوص عليها بالاعتماد ومطابقة تماماً لشروط أو قبول كمبيالات مستندية مرتبطة بهذه الاعتمادات أو تداخل مستندات شحن مطابقة لشروط هذه الاعتمادات.
ويمكن تعريفه على أنه تعهد
كتابي صادر من مصرف بناءاً على طلب مستورد بضائع لصالح مصدرها يتعهد فيه المصرف
بدفع أو بقبول كمبيالات مسحوبة عليه في حدود مبلغ معين ولغاية أجل محدود مقابل استلامه
مستنداته الشحن طبقاً لشروط الاعتماد والتي تظهر شحن بضاعة معينة بمواصفات وأسعار
محددة.
وباستقراء مفهوم الاعتماد المستندي وفقاً لنص المادة 02 من التعديلات رقم
500 لسنة 1993 يتضح أن الاعتماد المستندي أو خطابات الاعتمادات الاحتياطية هي
ترتيبات مهما يكن اسمها أو وصفها تتعمد بموجبها
البنوك فاتحة الاعتماد بأن تدفع إلى أو لأمر طرف آخر المستفيد أو تقبل
وتدفع قيمة الكمبيالات المسحوبة منه أو أن تفوض بنكاً آخر بأن يدفع أو يقبل ويدفع
قيمة الكمبيالات،
كما توضح المادة 03 أن: " الاعتمادات المستندية في طبيعتها معاملاته
منفصلة عن عقود البيع التي تكون أساس تلك الاعتمادات ولا ترتبط البنوك بهذه العقود
ولا تلتزم بها حتى لو تضمن الاعتماد إشارة إلى تلك العقود."
وبناءاً على ما سبق يمكن
القول أن الاعتماد المستندي يمثل في جوهره:
1- عملية بنكية يقوم خلالها البنك بدور الوسيط الملتزم المطمئن لكل من
المصدر والمستورد.
2- عملية بنكية تساعد على بناء الثقة المفتقدة بين طرفي العقد.
3- عملية بنكية يضمن بموجبها البنك للمصدر دفع قيمة بضاعته والتي تم شحنها
ويضمن للمستورد عدم قيامه بالدفع إلا بعد قيام المصدر بالشحن وبعد التأكد من
مطابقتها للمواصفات المتفق عليها.
4- عملية بنكية تكون مرتبطة بمستندات فقط وليس بالبضائع.
5- عملية بنكية تكون البنوك فيها مقيدة بالتعليمات المنصوص عليها في
الاعتماد لا غير.
6- عملية بنكية تكون فيها علاقة المصدر والمستورد ليست علاقة ناشئة عن
عملية الاعتماد المستندي وإنما هي علاقة سابقة ومستقلة تنشأ عن عقد البيع المبرم
بينهما، والبنوك غير ملزمة بالعقود المشار إليها بعقد البيع ولا علاقة لها بها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق